قطْع الاتصال يعمّق التهميش.. كيف حرمت النساء في أفغانستان من الفضاء الرقمي؟
قطْع الاتصال يعمّق التهميش.. كيف حرمت النساء في أفغانستان من الفضاء الرقمي؟
أعلنت الأمم المتحدة أن قطع الخدمة الشاملة للإنترنت في أفغانستان الذي تم في أواخر شهر سبتمبر 2025، قد عطّل حياة آلاف النساء، وحرمهنّ من فرص التعليم والعمل والتواصل، في بلد يُعدّ فيه الإنترنت نافذة الأخير أمامهن لمتابعة الدراسة أو كسب الدخل وفق شبكة "إيه بي سي" الإخبارية.
أسباب القرار القضائي والتنفيذي
لم تُصدر السلطات المختصة في أفغانستان التي تُسيطر عليها طالبان حكماً قضائياً علنيّاً يُبرّر انقطاع الإنترنت القومي، إلا أن التحقيقات أظهرت أن إغلاق الألياف البصرية والخدمات الثابتة بدأ منتصف سبتمبر في عدد من المؤسسات والأقاليم، ثمّ توسّع ليشمل البلاد بأسرها بحلول 29 سبتمبر وفق منظمة العفو الدولية.
وقد أعللت السلطات هذا الإجراء بأنه استجابة لمنع الانحرافات الأخلاقية أو الممارسات المنافية حسب تفسيرها، في حين ترى منظمات حقوق الإنسان أنه إجراء لاستكمال سياسة السيطرة على النساء والفتيات ومعاقبة من يحاول الوصول للتعليم أو العمل أو التواصل.
تداعيات مباشرة على النساء والفتيات
بحسب تقرير منظمات دولية، انترنت أفغانستان قبل الإغلاق كان يُعدّ المصعد الوحيد لكثير من النساء المتعلمات وغير المتعلمات على حد سواء، إذ رصدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الطالبات اللاتي كنّ يتابعن دروساً عبر الإنترنت –خصوصاً بعد حظر التعليم الثانوي والعالي للنساء– أصبح عددهنّ أقل بكثير بعد الانقطاع.
من جهة أخرى، قالت الأمم المتحدة إنّ ما يزيد على 43 مليون شخص في أفغانستان أصبحوا بلا اتصال رقمي تقريباً نتيجة القرار، ما يعني أن ملايين النساء والفتيات والأسر فقدن الوصول إلى المعلومات والخدمات الرقمية.
وتضيف التقارير أنّ هذه الخطوة لم تؤثّر في التعليم فحسب، بل عطّلت الخدمات البنكية والتحويلات المالية والتمكين الاقتصادي لنساء ربحن معيشتهنّ عبر الإنترنت.
إحدى الطالبات قالت: "كنّا نستعد لامتحانات فرضية ووكلنا حسابنا على الدروس الإلكترونية، ثم زُفت قناتنا الوحيدة فجأة… كأن العالم انهار".
لا يمكن فهم هذا القرار بمعزل عن سياق أزمة التعليم وحقوق المرأة في أفغانستان، فبعد استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021، حُظر تعليم الفتيات في المدارس الثانوية والجامعات، ما تسبب في فقدان نحو 1.4 مليون فتاة حقها في التعليم الثانوي وفق منظمة الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من الحظر الرسمي، لجأت النساء والفتيات إلى التعليم الرقمي كونه ملاذاً أخيراً، وبدأت برامج ودورات عبر الإنترنت تتيح لهن تعلّم اللغة والبرمجة وغيرها من المهارات.
إغلاق الإنترنت إذن يمثل، ليس فقط خطوة تقنية، بل جزء من استراتيجية أوسع من قمع المساحة الرقمية والحق في التعلم والعمل والاتصال، كما وصفته منظمات حقوق الإنسان بأنه شكل جديد من أشكال السيطرة على النساء والفتيات.
ردود المنظمات الحقوقية والقانون الدولي
منظمة العفو الدولية (العفو الدولية) دانت القرار وعدّته «منعاً تعسفياً وغير مبرّر يعارض المعايير الدولية لحقوق الإنسان»، وطالبت بإعادة الوصول للإنترنت فوراً.
كما أشار مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أن قطع الإنترنت قد يتعارض مع الحق في التعليم، والحق في الوصول إلى المعلومات، وحق المرأة في المشاركة في المجتمع.
من جانبها، وصفت هيومن رايتس ووتش هذا الإقدام بأنه خطوة جوهرية في سياسات التمييز ضد المرأة مضيفة أن حرمانهن من آخر مخرج رقمي يعمّق عزلهنّ ويضع مستقبلهنّ في خطر.
من المنظور القانوني، فإن هذه الانقطاعات تُعدّ مخالفة لالتزامات أفغانستان (حتى وإن تحت حكم أمر واقع) بموجب معاهدات دولية لحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الحق في التعليم) والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (حرية التعبير والوصول للمعلومات).
الأبعاد الإنسانية والاجتماعية
ما يبدو في مستوى التقنية يتحوّل سريعاً إلى مأساة يومية لنساء أفغانيات يصبحن أكثر هشاشة: رجال الأعمال الصغار منهنّ يخسرن عملهنّ، الطالبات يحاصرن بين حظر التعليم الرسمي والعزل الرقمي، والفجوة الرقمية بين الجنسين تتوسع.
وقد رصدت إحدى المنصات أن نسبة الوصول للإنترنت لدى الرجال بلغت نحو 25 في المئة مقارنة بـ6 في المئة لدى النساء في 2022، بينما في المناطق الريفية وصلت النسبة إلى 2 في المئة فقط للنساء.
في وقت يتزامن فيه هذا القرار مع نازحين جراء الزلازل والجفاف وعودة ملايين المهاجرين، فإن نساء أفغانستان -اللواتي تزداد انكشافاتهنّ- يقفن أمام عاصفة مركّبة من الحرمان التعليمي والاقتصادي والعزلة الاجتماعية.
النافذة الأخيرة
التعليم الرقمي لم يكن رفاهية، بل كان ممرّاً حيوياً للنساء الأفغانيات للوصول للعالم الخارجي، للمشاركة في سوق العمل، لتعلم مهارات تؤمّن لهنّ دخلاً أو حتى مجرد بقاء اتصالاً، ومع إغلاق هذه النافذة، تُهدد ليس فقط طموحات الفرد بل قدرة المجتمع على الاستمرار في المسار التنموي، إذ إن نصف المجتمع يُشطر في مساره نحو الانكفاء أو الهامش.
كما أن السياسات التي تقود لإغلاق الوصول الرقمي تشترك في تبديد الجهود التنموية الدولية التي استثمرت لأعوام في التعليم والتكنولوجيا، وتعيد أفغانستان إلى عزلتها المعرفية، في وقت العالم يسابق نحو رقمية تعليمية واقتصادية.
لقد تجاوز قرار إغلاق الإنترنت في أفغانستان كونه إجراءً تكنوقراطياً، ليصبح ساحة صراع على حقوق أساسية: حق المرأة في التعليم، في العمل، في التواصل، في المستقبل، وعلى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني التحرك العاجل لمطالبة طالبان بإعادة الخدمة فوراً، وفتح المجال الرقمي أمام النساء، مع تقديم دعم تقني ومواصل بدائل تعليمية آمنة.
فمن دون اتصال، تغلق آخر نافذة للنساء، ويطفأ شعاع الأمل في بلد يُحاول التأقلم مع أصعب التحولات.